فن القصص الجديدة

البريد الإلكتروني التالي.

إنتاج

النصوص: جيوفاني روسو
الرست من:
فرانشيسكو بونتوري
ترجمة: ماريان كمال

جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة الصور محفوظة لأصحابها.

LUCCA CREA S.R.L. – Corso Garibaldi 53 – 55100 Lucca, Italy – P. Iva 01966320465
معلومات الخصوصية العامةسياسة ملفات الارتباط

1


القصة المصورة ​​الإيطالية
مقدمة

أخذت القصص المصورة هذا الاسم “Fumetti” في اللغة الإيطالية من فقاعات الكلام الصغيرة التي تنقل عبارات الشخصيات المختلفة في القصة وتشبه في شكلها حلقات الدخان. يمكن للأنفاس التي تتكثف في يوم بارد أن تذكرنا بهذه البالونات ولكن الأقرب من ذلك هو شكل حلقات دخان السجائر؛ ولم يكن من المصادفة أن المصطلح أصبح شائع الاستخدام من الخمسينات حيث انتشر التدخين كعادة شائعة بين كل الطبقات الإجتماعية. كانت هناك محاولة أخرى للتسمية وهي “الطاولات المربعة” والتي اقترحها الكاتب أنطونيو روبينو في الثلاثينات وكان يقصد بها الصفحات المقسمة لمواقف كثيرة، ولكن بالنسبة للكثيرين لا تتعدى القصص المصورة أكثر من كونها “مجلات هزلية”.

انقر فوق السهم الوامض أو تحرك من خلال التمرير السريع
انقر فوق السهم الوامض أو استخدم لوحة المفاتيح

2


القصة المصورة الإيطالية
لمحات تاريخية

إن القصص المصورة في إيطاليا لها تاريخ طويل. بعدما ظهرت لأول مرة القصص المصورة كلغة موجهة للأطفال (المجلة التاريخية التي عرفت باسم ” مجلة الأطفال” والتي بدأت من عام 1908)، بدأت في توسيع نطاق جمهورها تدريجيًا متوجهة إلى كل الفئات العمرية وكلا الجنسين وظلت وفية لدعوتها الشعبية لفترة طويلة. مع الستينات بدأ في الظهور إنتاج جديد أكثر رقيًا وتطورًا مما أبرز النضج النهائي لأدب القصص المصورة الذي لطالما سعى، على الرغم من كل شيء، ليحصل على الإعتراف بقيمته الثقافية في المجتمع. وبشكل غير مقصود، أصبحت إيطاليا أحد أهم المنتجين العالميين، حيث انضمت للنادي المحدود للقوي الفنية والأدبية العظيمة في إبداع القصص والروايات المصورة. واليوم، تعتبر إيطاليا السوق الرابع على مستوى العالم سواء فيما يخص البيع أو الإنتاج.

3


القصة المصورة ​​الإيطالية
السوق

مليارات الدولارات

 يوضح الرسم البياني الحجم النسبي للأسواق العالمية الرئيسية للقصص المصورة. الأرقام، التي لا يسهل بشكل دائم العثور عليها غير دقيقة ولكنها تعطي صورة بقدر ما كافية عن حجم الطلبات. ففي أوروبا وتحديدًا في فرنسا وبلجيكا هي مجمعة في سوق كلي واحد بحكم التراث والأصول المشتركة للقصص المصورة باللغة الفرنسية التي تعرف باسم Bandes Dessinées
لا تأخذ البيانات في الاعتبار الأسواق الأخرى (السينما والترويج والتجارة وما إلى ذلك).

دولار لكل شخص في السنة

يعتمد حساب مؤشر انتشار القصص المصورة في الأسواق على النسبة بين القيمة السوقية والسكان. بشكل تقريبي، يعبر المؤشر عن الدولارات التي ينفقها كل مواطن كل عام على شراء القصص المصورة.
إذا قمنا بمقارنة حجم السوق بعدد السكان نرى أن إيطاليا تحتل المركز الثالث وتتخطى الولايات المتحدة الأمريكية.

4


القصة المصورة ​​الإيطالية
انواع وشخصيات

وبسبب ميلها للتعبيرعن العامة والأشخاص العاديين، قدمت القصص المصورة الإيطالية مجموعة متنوعة وكبيرة من الأنواع الأدبية والشخصيات المتأثرة من البداية بالقصص المصورة الأمريكية. فحتى يومنا هذا يتضح أن مجلات القصص المصورة الأكثر مبيعًا في إيطاليا هي الغربية Tex التي تسجل كل شهر مبيعات في إيطاليا أكثر مما تسجل في الولايات المتحدة، وهي المجلة الأكثر شهرة ببطلها الخارق المدافع عن الحق. وعلى الرغم من الأصول الأمريكية لديزني فإن قصص ديزني الإيطالية المصورة حظيت بشهرة كبيرة وانتشارواسع النطاق وصل للولايات المتحدة الأمريكية ذاتها. ومن بين الأنواع الأدبية الأكثر إيطالية هناك المجموعة الغنية للقصص المصورة “السوداء” التي تعتمد على شخصيات تفتقرإلى الصفات البطولية والنبل والدافع الإنساني وتكون مصورة بلا رحمة إلى جانب إنتاج كبيرمن الروايات المصورة الموجهة في الأساس لجمهور النساء.

5


الرواية المصورة /الرواية الجرافيكية
أصول

استمرت مجلات القصص المصورة تباع لوقت طويل في الأكشاك الإيطالية، ثم احتلت مكانها في المكتبات في القرن الحادي والعشرين تحت مسمى الروايات المصورة.

إن مصطلح “الروايات المصورة” هو تسمية إنجليزية دخلت حيز الاستخدام في إيطاليا في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين للإشارة إلى نوع من القصص المصورة الطويلة، المطبوعة في كتاب بشكل منفرد. قام المؤلف الأمريكي العظيم ويل آيزنر بنشر المصطلح في السبعينات حيث استخدمه لتحديد النوع الجديد من القصص المصورة التي كان يعمل عليها، بدءًا من روايته المصورة “عقد مع الإله” الصادرة عام (1972). على الرغم من أنه لم يكن أيزنر هو من اخترع المصطلح ، إلا أنه كان أول من أكد بقوة على ضوروة استعماله من أجل التفريق بين الرواية المصورة الجديدة و الأشكال والمؤلفات الموجودة من قبل. وسواء كان هذا النوع الأدبي مقبولًا أو مرفوضًا، فهو يندرج بالكامل تحت أدبيات الخيال والمغامرة والمشاعر ويبتعد عن المواقف الأيديولوجية الصارمة والقضايا الإجتماعية والأخلاقية.

6


الرواية المصورة / الرواية الجرافيكية
موضوعات وتموضع/تحديد الموقع

فيما يخص المحتوى، فإن مصطلح الروايات المصورة يشير إلى مجموعة شاملة من الموضوعات المطروحة غير محدودة بالأشكال الأدبية الترفيهية المعروفة. تستدعي الروايات المصورة اهتمامًا أكبر بالوضع الإنساني سواء المادي أو النفسي وتعطي مساحة أكبر لشخصية الكاتب ولخلق تنوع أسلوبي أكثر وضوحًا. إنه مجال دلالي مشابه لمجال سينما المؤلف أو الرواية “غير المندرجة تحت الأنواع الأدبية المعروفة”، و هذا ما كان مفقودًا بالضبط في القصص المصورة. لا يتعلق الأمر كثيرًا بالاعتماد على الفئات الأدبية لإضفاء نغمة محددة لها، بل يتعلق الأمر بتوسيع نطاق عمل القصص المصورة​​ لتستوعب الفئات الأدبية بتعبيرها عن مفاهيم وأفكار أكثر اتساعًا: يشمل مجال الروايات المصورة الترفيه ولكنه قادر أيضًا على استكشاف حتى أكثر المناطق التي يتعذر الوصول إليها للتعبير عن الواقع.

7


الرواية المصورة / الرواية الجرافيكية
السلائف

من وجهة النظر الإبداعية، فإن المشهد يبدو أكثر ازدهارًا.
إن ظهور فنانين عظماء في المجال يحظون بشهرة عالمية مثيل الفنان Gipi لا يمثل سوى قمة الجبل الجليدي الذي يتكون من العديد من الكتاب الإستثنائيين والموضوعات المتعددة وعدد كبير من المشروعات والمبادرات الفنية، إن لم تكن كلها من نفس المستوى ولكنها تخلق ساحة كبيرة من المبدعين الشباب. وفيما يلي يتضح مسار الرواية المصورة الإيطالية التي انطلقت اعتمادًا على الأسلاف المرموقين “دينو بوزاتي” و”هوغو برات” و”أندريا باتسيينتسا” وركزت بشكل حاسم على القرن الجديد. على الرغم من أن مصطلح “الروايات المصورة” يقودنا إلى تصور حركة فنية عابرة للحدود ومعاصرة بشكل بارز، إلا أن المشهد الحالي لم يكن ليصير مفهومًا دون تراث القصص المصورة الإيطالية والتي تتميز بتأكيد مكانتها بين أكثر الأنواع الأدبية ثراءً في العالم سواء أخذنا في الاعتبار الروايات المصورة أم لا.

9

Hugo Pratt, Corto Maltese – …e di altri Romei e di altre Giuliette, 1973

هوغو برات

الفنان هوغو برات “Hugo Pratt” (1927-1995) معروف بشهادة الجميع أنه أحد أكبر مؤلفي القصص المصورة العالميين والحديث عنه يعني حتمًا الحديث عن “Corto Maltese”، شخصيته الأكثر شهرة.
كورتو مالتيزيه “Corto Maltese” هو بحار ومغامر ظهر للمرة الأولى في القصة المصورة “أغنية البحر المالح” التي نشرت على حلقات بداية من عام 1967. مع ذلك كانت الرواية اللاحقة هي التجسيد الأفضل لشخصية كورتو والعمل الأعظم لهوغو برات وصدرت بعنوان Corte Sconta della Arcana” ” (1974-1977) وقد أتت بعد العديد من القصص الرائعة التي ساهمت في تشكيل الشخصية بشكل نهائي. يشير العنوان إلى مدينة البندقية ولكن في الحقيقة تدور أحداث القصة في الصين بين الجماعات السرية، إن دولة منغوليا في حالة غليان قومي كامل وروسيا غارقة في فوضى ما قبل الثورة التي قادها أمراء الحرب الذين كانوا يقاتلون بعضهم البعض باستمرار. لا تكمن براعة برات فقط في إتقانه لسرد المغامرة وإنما في قدرته على تحويل المغامرة إلى حالة عقلية وموقف أخلاقي. هو لا يقص للترفيه، حتى إذا حدث ذلك بالمصادفة، وإنما يروي برات الحاجة للمغامرة من أجل الانفتاح على العالم. يتخذ برات موقفًا إنسانيًا قويًا وإن كان معبرًا عنه بأرستقراطية المثقف والتي تندمخ بأرستقراطية القصة المتمثلة في شخصية الرجل النبيل سعيد الحظ “كورتو”. إنه موقف يتردد كحقيقة مطلقة خارج الزمن.

8

Dino Buzzati, Poema a fumetti, 1969

دينو بوزاتي

الكاتب دينو بوزاتي “Dino Buzzati” (1906-1972) معروف بأنه أحد أعظم كتاب القرن العشرين الإيطاليين وروايته العظيمة “صحراء التتار” (1940) تحكي قصة ضابط ينتظر في أحد القلاع المهجورة هجوم عدو غامض لن يصل أبدًا وتعتبر برأي الجميع أعظم أعماله. كان دينو بوزاتي أيضًا رسامًا للوحات مستوحاة من رسومه المصورة المحببة.

عام 1969 حقق بوزاتي بدمجه للكتابة والرسم بشكل شخصي للغاية من القصص المصورة عمله الرائع
“Poema a fumetti” أو القصيدة المصورة الذي نطلق عليه اليوم دون تردد “رواية مصورة”. تمثل القصيدة النتيجة الأكثر دلالة على مناخ الفضول القوي الذي أثارته القصص المصورة لدى المفكرين الإيطالين في الستينات، تلك الأعوام التي كانت موسمًا لازدهار الروايات المصورة المستقلة غير المسلسلة. القصيدة هي إعادة صياغة لأسطورة أورفيوس ويوريديس بصورة معاصرة. تدور حبكة القصة عن المغني الشاب أورفي الذي يتبع حبيبته أورا في العالم الآخر بعد أن رآها تختفي من خلال باب صغير في جدار فيلا غامضة، في شارع خيالي في ميلانو. في هذه الناحية الأخرى، يعيش الموتى إلى الأبد في فتور وخمول، دون الشعور بالخوف وكذلك بدون رغبات أو عواطف حقيقية. بقوة أغانيه، يشق أورفي طريقه حتى يصل إلى حبيبته، لكن النهاية ستكون مأساوية، كما حدث مع أورفيوس في الأسطورة الأصلية.

إن الطبيعة الغريبة للقصيدة التي تبعدها عن الأدب والرسم وفن القصص المصورة خلق منها شيئا غامضًا لم تتمكن المجالات الثلاثة من احتوائه بشكل ملائم كجزء منها. في الحقيقة، أنه من خلال النظر إلى التجربة الفنية بشكل متزامن من جميع الجهات، تظهر بوضوح خصوبة أحد أكثر التجارب أصالة وتمييزًا للثقافة الإيطالية في القرن العشرين.

10

Andrea Pazienza

Le straordinarie avventure di Pentothal, 1977-1981
Zanardi – Giallo scolastico, 1981
Pompeo, 1985-1987

أندريا باسينتسا

يمثل أندريا باسينتسا “Andrea Pazienza” (1956- 1988) محطة رئيسية في تاريخ القصص المصورة الإيطالية وأحد أثراها كتابةً. يكاد يكون متفردًا بطبيعته الإستثنائية وأكثر من يساء فهمهم. إن “Andrea Pazienza” وأعماله خارج التصنيف: هو يتمتع بمهارات تصويرية مذهلة ولديه القدرة على الكتابة عن نفسه دون تواضع زائف ورسم “أي شيء بأي طريقة” وقد مر بكل مراجل التحول من الواقعية المفرطة إلى تشوهات رسوم الكاريكاتير سواء في قالب الأندرجراوند أو الكوميدية الخاصة بديزني مرورًا بكل التغيرات الوسيطة الممكنة. إن براعته الأدبية تضاهي براعته التصويرية: فباسيينتسا يعبر عن نفسه بلغة إيطالية ذات قوة تواصلية إستثنائية وحيوية وإيقاعية، وفي الوقت ذاته لغة مثقفة وعامية غنية بالعبارات الجديدة الصادمة التي تتراح بين الكوميدي والتراجيدي. إذا أضفنا إلى مهارته الفنية جاذبيته الشخصية وحياته الجامحة وإدمان المخدرات ووفاته في سن مبكرة تتضح أمامنا أسطورة هذا العبقري سيء الحظ، نجم القصص المصورة الإيطالية.
أهم أعماله هي الرواية المصورة شبه الذاتية “ Gli ultimi giorni di Pompeo أو “الأيام الأخيرة لبومبيو” (1985-1987) ، وهي الرواية القاسية والمدمرة للأيام الأخيرة من حياة أحد مدمني المخدرات ووفاته منتحراً.

11


أصحاب الهويات

كانت الهوية الشخصية تمثل هوسًا لعقد وسائل التواصل الإجتماعي، فخلق وبناء الهوية الرقمية يمتد أيضًا داخل الحياة الواقعية، في عملية تعريف مماثلة لخلق الأفاتار في ألعاب الفيديو. ففي إيطاليا، يترجم الهوس بالهوية الشخصية إلى ميل نحو السيرة الذاتية أو في كثير من الأحيان إلى ما يشبه السيرة الذاتية تختفي بها التجربة الشخصية الحقيقية تحت قناع مظلم. السؤال الذي نحاول الإجابة عليه هو “من أكون”؟ دون أي دلالة أو إشارة تاريخية سياسية ولكن اعتمادًا على حقائق وجودية شخصية فردية.

تمثل شبه السيرة الذاتية محور أعمال “Gipi”، أشهر كتاب الروايات المصورة الإيطالية الذي نجح بواسطة شخصيات متعددة وبطريقة ما من خلال الصور الذاتية في تحليل المراحل المختلفة من حياته من مرحلة المراهقة المعقدة إلى الحالة الحالية لفنان يقال عنه أنه مشهور.

يروي الفنان ورسام القصص المصورة دافيديه ريفياتي بصوت ملحمي الطفولة الأولى والمراهقة “المطلقة” في مجلدين ضخمين تدور أحداثهما في مقاطعة وادي نهر بو في السبعينات.

Zuzu, Chees, 2019

Gipi, La mia vita disegnata male, 2008

12

Gipi

Unastoria, 2013
Land of the Sons, 2016

جيبي

جان ألفونسو باتشينوتي ” Gian Alfonso Pacinotti” واسمه الفني جيبي ويعد رائدًا للقصص المصورة في الألفينات. تميز بحساسية منهكة وغاضبة. ولد عام 1963 ونشأ في محيط محدود مغلق دون منافذ على العالم. عقب فترة شباب عاشها في الشارع، وضعت أمامه موهبته في الرسم هدفًا مهنيًا ووجوديًا، في البداية في مجالات بعيدة عن القصص المصورة كالتصميم والدعاية والرسم. بدايته في مجال القصص المصورة جاءت بعمله الشهير ” Appunti per una storia di guerra” -ملاحظات عن قصة حرب، عام 2005 والتي حاز بها على العديد من الجوائز الأوروبية الهامة. تتعامل ملاحظات قصة حرب مع الانتقال من المراهقة إلى مرحلة البلوغ في سياق حرب افتراضية تشمل أيضًا الأماكن الأصلية للمؤلف. إنه كتاب شبه سيرة ذاتية، لا يتحدث حقًا عن الحرب ولكنه يستخدمها كاستعارة، مما يسمح لـ Gipi بالتعامل مع مراهقته المشتتة، مع أصدقاء تحرقهم المخدرات أو انتهى بهم الأمر على هامش المجتمع ليعيشوا على المساعدات؛ وخاصة مع إحساسه بالذنب لأنه ترك هذا العالم ونجا بحياته دونًا عن رفقائه.
أحد أفضل كتبه كذلك هو Una storia (2013) ، الذي يحكي عن كاتب أصيب بالجنون فجأة ويعيش داخل دار لرعاية المسنين. مرة أخرى، يقترح جيبي شخصية تشبه قصة حياته، تكافح مع الشعور بالذنب، شعور المؤلف الراسخ الآن الذي يعيش، ككاتب متميز، في عالم من القصص.
في عام 2016 ، تم إصدار La terra dei figli، حيث يعود Gipi ليحكي قصة من خيال المؤلف، وهي تأمل قوي للأبوة: في مستقبل ما بعد اكتشاف الذرة ، يقوم الأب بكل شيء لتربية أطفاله من خلال إبقائهم في الظلام بعيدًا عن الكتابة وبالتالي بعيدًا عن ذكريات الماضي. وعلى الرغم من أن ما يفعله لمصلحتهم، سينتهي بهم الأمر حتمًا إلى التمرد عليه.

13

Davide Reviati

Morti di sonno, 2009
Spit Three Times, 2009

دافيديه ريفياتي

ولد الفنان “Davide Reviati” عام 1966 وهو أحد الأصوات الأكثر شخصية وإنسانية في مجال الروايات المصورة الإيطالية. انطلاقًا من تجارب السيرة الذاتية، تحكي رواية ” Morti di sonno قصة مجموعة من الشباب الذين نشأوا في أواخر السبعينيات في بلدة بنيت بجوار مصفاة تكرير بترول كبيرة. في ظل المصنع بأدخنته ومخاطره ووجوده في نفس الوقت الذي يهدد ويطمئن الأولاد ، يعيش الأولاد الفترة الجميلة من حياتهم المتمثلة بشكل خاص في لعبهم كرة القدم. البعد الذي رويت فيه الطفولة يتخذ نغمات الملحمة. في السرد الذي يستمر في حلقات فردية، يتم استحضار المشاهد بشكل فردي في بُعد الذاكرة وتوحيدها في لوحة جدارية شاملة بدلاً من الحكاية المسطحة، فإن مباريات كرة القدم اللانهائية هي الخيط المشترك والنسيج الضام للأحداث.
إذا كانت رواية “Morti di sonno” تحكي عن الطفولة فرواية “Sputa tre volte” تتناول المراهقة مع نفس المقدمات شبه الذاتية، نفس البنية الغزيرة المتدفقة المسلسلة (يتكون الكتاب من أكثر من 500 صفحة). أبطال الرواية هم مجموعة من الشباب الذين يعيشون في مقاطعة ريفية مجهولة. إذا كانت كرة القدم هي الموضوع الرئيسي في الكتاب السابق، ففي هذا الكتاب كان محور الأحداث هو العلاقة مع عائلة من الغجر الذين يعيشون في محيط المدينة، والذين أقام معهم أبطال اللعبة علاقة غامضة. هم أيضًا مثلهم مثل أي شخص آخر، يعاملونهم بعدم الثقة والعنصرية، ولكن لا تزال هناك مساحة للمواجهة والتعامل على الرغم من الاختلاف والتناقضات.

14


النشطاء

يرتبط نشاط وحراك الأقليات بموضوع الهوية وهذه ظاهرة أخرى تسلط عليها الضوء تقنيات التواصل الجديدة. تقوم القصص المصورة بهذا الدور بسبب قدرتها على تحقيق الوساطة وصارت أصوات الكتاب الشباب تعبر عن مختلف القضايا الإجتماعية. يروي الفنان “Zerocalcare” المشهور حاليًا في إيطاليا، بروح من السخرية والدعابة، قصة حياته من خلال تبنيه وجهة نظر المهمشين من ساكني مراكز الإعانة الإجتماعية أو الأكراد في حربهم ضد داعش. إن العديد من الكاتبات ومنهن Silvia Ziche و Vanna Vinci وSara Colaone يحرزن تقدمًا كبيرًا في الخطاب النسوي. وتعتبر الكاتبة الإيطالية Josephine Yole Signorelli بكتابها “Fumettibrutti” أول كاتبة تعطي صوتًا في المجال العام لتجارب المتحولين جنسيًا .

Silvia Ziche, Lucrezia, 2010

Vanna Vinci, Doppio sogno, 1994

15

Zerocalcare

Macerie prime, 2017
Kobane Calling, 2016

زيروكالكاريه

هو الاسم المستعار للفنان ميشيل ريش ” Michele Rech” المولود عام 1983 وهو يعتبر حالة تحريرية فريدة في مجال القصص المصورة منذ ظهور الروايات المصورة. نشأ زيروكالكاريه في حي شعبي في روما وانخرط في رواية تجارب من حياته اليومية على مدونته الشخصية في قصص قصيرة مشبعة بروح ما بعد الحداثة وإشارات إلى ثقافة العامة إلى جانبه مجموعة من الممثلين الداعمين على غرار أصدقائه وعائلته وحيوان أرماديللو وهو شخصية خيالية تعطي لزيرو الفرصة لتصوير حواراته الداخلية. ما يبرز في قصصه هو تعبيره عن الجيل غير المستقر الذي بلغ الثلاثين عامًا من عمره الممزق بين العمل ومواعيد التسليمات التي لا تنتهي.يعيش أولئك الشباب بنمط حياة قسري لمرحلة ما بعد المراهقة ويبدو أن قيمهم الموحدة الوحيدة هي الاعتزاز بمكان النشأة وما يجمعهم هي المرجعيات المستمدة من الخيال.
إن التأثر بمشكلات الجيل هو قاعدة النجاح الذي أصبح ساحقًا في وقت قصيرودفع المؤلف إلى اعتماد الكتابة الروائية الطويلة، وقد عبرت النتائج عن نجاح هائل.
ويعد كتابه ” Kobane Calling” الصادر عام 2016 هو التجربة الأكثر نضجًا ونجاحًا؛ فقد قام زيرو بصحبة بعض النشطاء والأصدقاء برحلة طويلة إلى مدينة Kobane أو عين العرب الواقعة بكردستان سوريا وهي المدينة التي صارت رمزًا لمقاومة السكان الأكراد ضد داعش في سياق الحرب الأهلية السورية الطويلة. إن شخصية زيروكالكاريه المعروفة حاليًا للعديد من الأجيال من القراء قامت بدور توجيهي واعي ومختلف في داخل أزمة كبيرة، ولا نعني بذلك فقط الحرب الكردية، وإنما موضوع المواجهة الدرامي بشكل أعم وأشمل بين الغرب والعالم الإسلامي.

16

Fumettibrutti

P. La mia adolescenza trans,
2019
P. La mia adolescenza trans,
2019

Fumettibrutti

ولدت جوزفين يولي سينيوريللي ” Josephine Yole Signorelli”عام 1991 واسمها الفني هو Fumettibrutti وعرفت بتسجيلاتها المنشورة على مواقع التواصل الإجتماعي. هي فيديوهات قصيرة قد تبدو مثيرة لاستفزاز ولحفيظة البعض ولكنها تتناول دون أن يعيقها الخوف أو الشعور بالذنب موضوعات مثل الجنس والمشاعر والهوية والاختلاف والوحدة. تقصد الفنانة أن يبدو أسلوبهها غير واثق وتوظفه لتنقل بصريًا الفراغ الوجودي الذي تود شخصياتها ومعهم مؤلفتهم الخروج منه. إن كتابها الأول الصادر عام 2018 “Romanzo Esplicito” به الكثير من معالم قصة حياتها وحبها الذي انتهي بشكل قاسي. أما كتابها التالي
P. La mia adolescenza trans”فقد تعرت جوزفين سينيوريللي بالكامل وروت الصعوبات والتصميم والألم والفخر برحلتها لقبول ذاتها كشابة متحولة جنسيًا تعيش في مجتمع معادٍ ومحافظ.

17


المفكرون

يرى الكثير من الكتاب والمؤلفين القصص المصورة بشكل خاص كتعبير عن رؤية للعالم ورحلة فنية راقية للاكتشاف الشخصي. ففنان القصص المصورة Igort ، وهو مخرج أيضًا، يقوم بتوظيف القصص المصورة ليقص علينا شغفه الفكري تحت شكل فني يحمل بعض من الغرابة والرقي؛ أما الكاتب ورسام القصص المصورة “Paolo Bacilieri” ينطلق من ال underground ليروي حياة يومية سيريالية ولكنها غنية بالمرجعيات الثقافية أما فنان وكاتب القصص المصورة “Tuono Pettinato” (استوحى اسمه المستعار من أحد شخصيات الكاتب والمترجم الاسباني “Borges”) فكان يروى بروح الدعابة الخفيفة مساراته بين الثقافة العالية الراقية والثقافات البسيطة الشعبية أما “Giacomo Nanni” مؤلف الكتب المصورة والرسام فيبحث في العلاقة بين الإنسان والطبيعة بإعطاء صوت للحيوانات والأشياء وكذلك الكوارث الطبيعية مثل الزلازل.

Ausonia, Interni, 2008-2011

Giacomo Nanni, Cronachette, 2007

18

Igort

5 è il numero perfetto, 2002
Quaderni giapponesi, 2015

ايجورت

في بحثه المتواصل عن بعد زماني وجغرافي آخر يتجلى إتجاهه الذي يترجم إلى دفقات من الغرابة والتجديد الفكري. الفنان ايجور توفيري “Igor Tuveri”، المعروف فنيًا باسم ايجورت حول اهتماماته المتباينة إلى قصص مصورة منغلقة وتحمل قدرًا من الثقافة وتعج بالإشارات النصية والبصرية. يرجع الفضل في تأسيس دار النشر “Coconino Press” إلى ايجورت وتدين له القصص المصورة بهذا الإنجاز. تمكنت دار النشر الجديدة من جلب القصص المصورة إلى أسواق المكتبات وأتاحت الفرصة أمام الروايات المصورة الإيطالية الحديثة. أشهر أعماله هي الرواية المصورة “5 è il numero perfetto ” الصادرة عام 2002 التي أصبحت مؤخرًا أيضًا فيلمًا نال استحسان النقاد وكان أول ظهور للمؤلف كمخرج سينمائي. هي رواية سوداء تدور أحداثها في نابولي عن حياة أحد أعضاء جماعة الكامورا الإجرامية الذي قرر بعد تقاعده أن يعود للإنتقام لمقتل إبنه، أحد أعضاء المافيا، الذي قتل عنوة وغدرًا.
ما بين التأثيرات الأوروبية (الفرنسية noir à la Melville) والأمريكية (دون الوصول إلى أقصى درجاتها الغريبة، Chester
Gould وأسلوبه) والشرقية (hardboiled hongkonghesi): يتضح إنها رواية تقليدية وأصلية، خاصة في محيط أحداثها بمدينة نابولي. إنها ليست مجرد مسألة جغرافية: يصف إيغورت جيدًا أنثروبولوجيا جماعة الكامورا ، والقرب المنافق من الدين، وكبرياء الانتماء و تقدير”العمل الجيد” ، حتى لو كان هذا العمل هو القتل.

19

Paolo Bacilieri

Durasagra, 2006
La magnifica desolazione, 2007

باولو باتشيلييري

“Paolo Bacilieri” من مواليد عام 1965 وهو يشبه شاعر أو مغني بكورال يعبر عن صعوبة وتعقيد الحياة اليومية. إن كتابه “La magnifica desolazione” هو أحد أكثر كتبه نجاحًا حيث يتجلي فيه التعايش بين السريالية والحياة اليومية المشوهة المعتادة. في عالم “La magnifica desolazione”، تعد شخصية Zeno Porno وهو الأنا الثانية للمؤلف هو كاتب سيناريو لقصص ديزني المصورة يفشل في ابتكار حبكات أصلية ويقوم بإعادة استخدام أفكار كارل باركس باستمرار؛ يمر بأزمة عاطفية، ولديه أب مطارد من قبل عميلة جميل لوكالة المخابرات المركزية لأنه يبلغ طوله ثلاثين متراً، وصديق ذو وجه مشوه يشاركه في رحلة استكشافية إلى القمر، في إيطاليا التي غزتها كائنات الزومبي غير المؤذية، وهي غير مؤذيةعلى وجه التحديد لأنها إيطالية.
لا يعمل الجو العام الغريب للقصة إلا على التأكيد على ارتباك رجل يعاني أزمة إنسانية ومهنية، وفي النهاية يتكفل مشهد طبيعي وعادي للغاية، وهو رؤية عائلة من السياح الأجانب في رحلة على متن قارب إلى جزيرة تورسيلو بالبندقية، بتحريك زينو وجعله يفهم أنه في النهاية، وعند نقطة معينة ولأسباب غامضة، تختفي التعاسة ويعود الأمل ليشب برأسه مجددًا.
يعود Zeno Porno في كتاب Fun (2016)، وهي لعبة ألغاز مذهلة، بدءًا من طريقة السرد التي تركز على قصة الكلمات المتقاطعة تفترض أن الحياة لعبة ألغاز متشابهة إلى حد كبير.

20

Tuono Pettinato

OraMai, 2014
Garibaldi. Resoconto veritiero delle sue valorose imprese,
ad uso delle giovani menti,
2010

Tuono Pettinato

توونو بيتيناتو

خفيف ولكن مثقف، بارع في أسلوبه الشخصي الخاص ب “التخمين الفلسفي” ، توونو بيتيناتو Tuono Pettinato(هو الاسم المستعار لأندريا باجيارو ” Andrea Paggiaro” من مواليد 1976) هو أحد أكثر الأصوات تميزًا في الرسوم المصورة الإيطالية المعاصرة. وقد استوحى الاسم المستعار من أعمال الفنان بورخيس، وهو بالفعل في حد ذاته إعلان للبراعة الشعرية. بدءًا من الأسلوب الفكاهي الذي يكاد يكون طفوليًا في خفته الممتزجه بسلاسة بلمحات من الثقافة الراقية إلى جانب بعض المظاهر الشعبية التي تتصف ببعض من الجرأة.

يعبر تونو بيتيناتو عن سخرية قادرة على إثارة التوليفات في أعمال فنية تبدو بسيطة ولكنها جديرة بالتقدير وقادرة على نشر الثقافة، على الرغم من كونها في الواقع مسارات مستقلة مرسومة على الورق. غالبًا ما يكون هو شخصية من رسومه المصورة حيث يصور نفسه في صورة كاريكاتورية، رجل أصلع ذو لحية، يرتدي ملابس سوداء وجمجمة محاكة على قميصه، فيما يشبه محبي موسيقى الheavy metal

من بين الكتب الرئيسية لتوونو بيتيناتو رواية “غاريبالدي” وهي الرواية الصادقة لأفعاله الشجاعة وموجهة للشباب، (2010) هي القصة الحقيقية لغاريبالدي وقد رويت بشكل ساخر ولكن ليس تافهاً، لا في الحقائق ولا في الآراء التي حركت بطل العالمين. الكتاب لا يخفي المثالية الساذجة إلى حد ما لغاريبالدي، وكراهيته العميقة للبابا والكهنة، وعدائه تجاه كافور والسياسيين. و انتهز تونو الفرصة أيضًا للتهكم من التعليم الإيطالي الذي خلق منه بطلًا مكرمًا.

أما كتابه “Corpicino” الصادر عام 2013 هو كتيب أسود ومأساوي للغاية مليء بالألم يتناول قصة مقتل طفل؛ تتصاعد الأحداث معبرة عن الكثير من الفظائع والمآسي التي يتضح أن أقلها هو جريمة القتل.

21


الرواة

يسود البعد السردي للرواية أعمال “Vittorio Giardino”، وهو مؤلف مهتم في المقام الأول بالحكي التاريخي، سواء كانت الحرب الأهلية الإسبانية أو قصة تشيكوسلوفاكيا السابقة، والتي رواها في رواية مصورة مكثفة من ربيع براغ إلى سقوط الشيوعية. قام ل”Leo Ortolani”، وهو مؤلف قصص مصورة يتمتع بموهبة جلية، بإدراج النكات والحيل الهزلية المضحكة بناءً على هيكل سردي متين مستوحى من القصص المصورة الأمريكية البطولية، حيث يجمع بين المتعة والموضوعات الشخصية وحتى المثيرة للجدل، ويتناولها دائمًا بحساسية وخفة. ما تزال القصة حتى في بعدها القصير تحتل قلب تجربة الفنان “Giacomo Monti”، مؤلف الاسكتشات البسيطة التي تستحضر واقعًا بائسًا مريضًا معلقًا بين التدهور الواقعي المفرط ولمحات غريبة مرتجلة.

Davide Toffolo, Très!, 2007

Lorenzo Palloni, La lupa, 2019

22

Vittorio Giardino

Jonas Fink, 1997-2018
Max Fridman – No pasaran,
1999-2008

فيتوريو جيادرينو

فيتوريو جياردينو (بولونيا ، 1946) هو قبل كل شيء راوي قصص ممتاز، يبني حبكات قصصه بطريقة دقيقة، ويخلق بنايات فكرية صلبة ويبدو أن هذا يرجع إلى خلفيته الهندسية. بصريًا، يتبنى جياردينو تدريجيًا خطًا واضحًا له أصل فرنسي، وقد صار رائد هذا الخط في إيطاليا.
اهتمام جياردينو الأول هو التاريخ: فالشخصيات وآليات السرد الأدبية هي في خدمة الحساسية التاريخية التي لا تتمحور حول الحقائق العظيمة والأبطال العظماء، ولا على “البسطاء” الذين نراهم أيديولوجيًا كطبقة تخضع للتاريخ وتغيراته؛ المواطنون العاديون هم ما يهم جياردينو، والنسيج الإجتماعي والعقليات والبيئات والآليات السياسية والنفسية التي تحدد السياق التاريخي. نتيجة التوثيق المضني، يتجلى الاهتمام التاريخي بشكل خاص في No pasaran ، حيث يبدو أن تجوال بطل الرواية ماكس فريدمان، الجاسوس الفرنسي السابق بحثًا عن صديقه المفقود يكاد يكون حجة لرواية تاريخ إسبانيا تحت الحرب الأهلية.
يتجلى نفس الاهتمام بالتاريخ في عمل جوناس فينك ” Jonas Fink”، أكثر أعمال “Vittorio Giardino” طموحًا، والذي يروي التاريخ من خلال حياة البطل في تشيكوسلوفاكيا الشيوعية من 1950 إلى 1968، مع خاتمة وقعت في عام 1990، بعد سقوط جدار برلين. صدرت الرواية المعقدة في ثلاثة أجزاء، على مدار أكثر من عشرين عامًا، (الطفولة 1991، المراهقة 1998 ، بائع كتب براغ 2017) ، وتحكي قصة صبي من أصل يهودي نشأ في براغ الشيوعية مع والده المسجون لأسباب سياسية غير معروفة.

23

Leo Ortolani, Cinzia, 2018

ليو أورتولاني

الفنان “Leo Ortolani” من مواليد عام 1967 وكان دائمًا شغوفًا بالأبطال الخارقين ويتمتع بحس ساخرطبيعي لا ينضب. قام ليو أورتولاني بتحويل محاكاة ساخرة قام هو بكتابتها عن “Bat Man” في إطار ظاهرة القصص المصورة الشعبية الأبرز في العشرين عامًا الأخيرة. وبانتهاء السلسلة الفنية الطويلة لشخصيته الشهيرة “Rat-Man”، كرس أورتولاني نفسه أكثر فأكثر للرواية المصورة الطويلة، حيث تعامل مع الموضوعات الحساسة بأسلوبه الفني وروح الدعابة المعتادة.
تعتبرروايته المصورة Cinzia الصادرة عام (2018) تعبيرا عن اتجاهه، وهي رواية مصورة مخصصة للشخصية التي تقوم بالدور الثاني في سلسلة Rat-Man وكانت تحمل نظرة حساسة ويقظة على تجربة الأشخاص العابرين جنسيًا. أما كتابه الأخير” Andrà tutto bene” أو كل شيء سيكون على ما يرام، هو السجل اليومي لأزمة Covid-19، والتي رافقت عبر وسائل التواصل الاجتماعي العديد من الإيطاليين في تلك المرحلة الصعبة.

24

Giacomo Monti

Nessuno ti farà del male, 2010
Camicia, 2010

جاكومو مونتي

“Giacomo Monti” هو كاتب قصص قصيرة ولد عام 1975. تجلى نجاحه بقوة بالمجموعة القصصية
” Nessuno mi farà del male” وهو أحد أفضل الكتب الإيطالية في القرن الحادي والعشرين. إن قصص مونتي قصيرة ومحددة وبسيطة وتبدو واقعية ولكن أحيانًا تحمل تحولًا في الأحداث يشير إلى عبثية الحياة اليومية.
تماثل الروايات الناجحة لآلىء ثمينة غالية . تحكي قصة “Camicia” أو القميص عن لقاء رجل مع فتاة ليل، لكنه يركز على الثرثرة الخاملة التي يتبادلها الاثنان بعد ممارسة الحب، حيث تنتقده بشأن كيفية ارتداء القميص.
أما قصة Trans فهي حكاية خاطفة من صفحتين فقط، حيث يقترب رجلان من أحد المتحولين جنسيًا ويضربانه بوحشية. أما قصة “Trans 2″، التي تأتي بعد القصة السابقة بعدة صفحات تعكس الموقف ويظهر انتقام المتحول جنسياً الذي تعرض للضرب، والذي يتحول إلى وحش ويقتل الرجلين الذين ضربوه. أما مجموعته ” Nessuno ti farà del male” أو” لا أحد سيؤذيك” تعبر عن وقائع أزمة زوجية سريالية، مع خصوصية كون الزوجة من الفضاء وقد هبطت أمام مزارع يبدأ بمرور الوقت في معاملتها كزوجته.
أبطال مونتي هم بائعات الهوى وزبائنهن من الرجال والنوادل والسقاة والنصابين: أناس عاديون، تم تصويرهم في لحظات صغيرة معبرة عن الكثير. وفي بساطة المشاهد، يصور مونتي لحظات قوية معبرة وحاسمة.

25


الفنانون البصريون

تتميز القصص المصورة الإيطالية بأصول ونشأة اعتمدت على المؤلفين البصريين الذي كرسوا مجهوداتهم الفنية للقصص المصورة ذات التأثير البصري القوي من أجل التعبير عن أجواء ومشاعر تثيرها الصور. من بينهم الفنان العالمي “Lorenzo Mattotti” وهو يعمل رسام للقصص المصورة و مصمم لرسوم الأطفال و يقوم بتأليف قصص مصورة تحمل قوة تعبيرية غير عادية بما يتفق مع الثقافة الموسوعية البصرية. أما الفنانة “Francesca Ghermandi” رسامة القصص المصورة وقصص الأطفال فتخلق عوالم سيريالية مفعمة بالحياة والطاقة و”Gabriella Giandelli” تستدعي أجواء هادئة أنيقة من خلال التوظيف الراقي للألوان أما الرسام ومصمم القصص المصورة “Manuele Fior” فيقوم بحياكة حبكات قصصية غير ملموسة تكاد تجد قوامها في الشحنة العاطفية القوية لشخصياته؛ أما المصمم ورسام الرسوم المتحركة “Lrnz” فهو مؤلف للقصص المصورة المختصرة المركزة المليئة بتأثيرات شخصية بالكامل.

Leila Marzocchi, Niger, 2005-2017

Lorenzo Palloni and Martoz, Instantly Elsewhere, 2018

26

Lorenzo Mattotti

L’uomo alla nestra, Lilia Ambrosi and Lorenzo Mattotti, 1992
and Jerry Kramsky, Jekyll & Hyde, 2012

لورينزو ماتوتي

لورنزو ماتوتي (1954) هو مؤلف قصص مصورة منمقة واستبطانية وتحليلية، لا يهدف عمله إلى السرد أو التصوير، بل يهدف إلى تمثيل ما لا يمكن تمثيله، و تصوير المشاعر المتغيرة التي تحرك المشهد الداخلي في تطور مستمر. بعيدًا عن واقعية القصص المصورة الشعبية وأي أسلوب منمق، يوظف ماتوتي، ليصل للتحليلات العميقة، أسلوبًا متغيرًا وانسيابيًا، قادرًا على الانتقال من التعدد اللوني الأكثر قوة إلى اللونين الأبيض والأسود الأكثر رسوخًا ، من بقع الألوان التعبيرية إلى خط ناعم ومتعرج وأنيق.
على الرغم من أنه لا يقلل من أهمية الاهتمام بالنصوص، إلا أن نشاط الفنان “Mattotti” كان يركز على رسم القصص المصورة بشكل جيد مما دفعه للتعاون مع العديد من الكتاب، وأكثرهم اجتهادًا هو رفيقه جيري كرامسكي ” Jerry Kramsky”، الاسم المستعار لفابريزيو أوستاني ” Fabrizio Ostani” (1953) ، وهو صديق قديم.
مع Kramsky كتب رواية Fuochi (1984)، والتي حققت لماتوتي أول نجاح حقيقي وقوي الأصداء على المستوى الإيطالي والدولي. كان عمل ماتوتي “Cuore di Tenebra ” يحمل تشابهًا مع أجواء الكاتب البريطاني جوزيف كونراد ، حيث تصبح الطبيعة مرآة مشوهة لهواجس الشخصيات الداخلية.
لا يزال التعاون مع كرامسكي مستمرًا في أحدث كتاب لماتوتي، غيرلاندا “Ghirlanda” (2017) ، وهو أكثر كتبه إثارة للإعجاب على الإطلاق: ما يقرب من أربعمائة صفحة استغرقت عشر سنوات من العمل. إنها قصة معلقة بين الأسطورة والحكاية، وهي عبارة عن خيال مستوحى بشكل مبهم من شخصيات المومين الفنلندية السويدية، حيث يبدو أن العالم السحري الذي خلقه كرامسكي قد تم صنعه عن قصد لتعزيز مهارات ماتوتي التصويرية الدقيقة.

27

Francesca Ghermandi

Cronache dalla palude, 2010
Hiawata Pete, 1993

فرانشيسكا جيرماندي

“Francesca Ghermandi” (مواليد 1964) هي مؤلفة قصص مصورة غير واقعية لا تتبع الشكل السردي التقليدي وتخلو من أي طموحات معادية للثقافة أو الأندرجراوند. تهدف قصصها المصورة لأن تكون بوتقة تنصهر فيها أكثر التجارب الفنية المعاصرة تباينًا: الرسم والتصميم والخيال وحتى الموسيقى. إنها تؤلف قصص مصورة تجريبية معاصرة وصعبة وبناء على ذلك تقوم الرسامة Ghermandi بتوظيف مواهبها ومهاراتها البصرية في خلق عالم شخصي واقعي من الواقع المظلم. صدرت لها أول رواية مصورة عام 2005 بعنوان “Grenuord” التي تحكي عن شخصية بشعة ذات وجه جمجمة تحاول الهروب من علاقة قمعية وإعادة بناء الحياة. لكن في النهاية تكتشف أن الحل الوحيد بالنسبة لها هو الهروب مجددًا ، فلا شيء يتغير حقًا.

يقود كتابها Cronache dalla palude (2010) طريق المؤلفة إلى النضج النهائي. هذه المرة لم ترسم شخصية واحدة، بل جوقة من الشخصيات تتحرك في عالم مخيف ومشوه، معلق بين الشعور بالألم ولمحات من الأمل.

28

Gabriella Giandelli

Interiore, 2005
Lontano, 2013

جابرييلا جانديللي


جابرييلا جانديللي “Gabriella Giandelli” هي كاتبة متطورة وراقية ولدت عام 1963. تُعنى المؤلفة بالأبعاد الداخلية لشخصياتها وتستدعي بخفة الأجواء الحميمية. تحكي روايتها “ Interioraeعن الظلام الأكبر الذي يعيش في قبو كل مبنى والذي يتغذى على أحلام قاطني المبنى ويقوم بخدمته أرنب أبيض، غير مرئي للجميع. ولكن في يوم من الأيام يراه أحد الأطفال، ويكون هذا نذير كارثة وشيكة. قامت المؤلفة بتصوير مشاهد من المدينة والحياة المشتركة للسكان كأمثلة للإنسانية المختلفة، بمشاركة كبيرة من روحها وإحساسها فيصعب عدم تخيلها وهي تراقب شخصياتها بنفس الفضول والمودة التي يحملها الأرنب تجاه الشخصيات المختلفة.
يصنف كتابها “Sotto le foglie” على أنه أروع أعمالها في هذا المجال وقد رسمت بطله كشخص غامض ومراقب خارق للطبيعة يحمل رأسًا أصلعًا بخطوط منقطة على رأسه وحول عينيه. يصل المراقب المجهول إلى قرية صغيرة في الغابة، يجذبه صوت مليء بالغضب والألم. شيئًا فشيئًا ، تتضح القصة المأساوية لطفل توفي قبل سنوات في الغابة و له شقيق في منتصف العمر وأم مسنة لعبت دورًا في الحادث المأساوي. الأجواء الصامتة والغامضة تزيد من سحر الغابة، والذي بدوره يتناسب تمامًا مع اللغز الذي يحيط بالبطل ومع السر الذي تخفيه الشخصيات البشرية في أعماق قلوبهم، كما لو كان السر مدفونًا تحت أوراق الخريف.

29

Manuele Fior

5000 Km Per Second, 2010
The Interview, 2013

مانويليه فيور

ولد “Manuele Fior” عام 1975 وظهرت موهبته في سن مبكرة، كان مهندسًا معماريًا واليوم يعتبر أحد أكبر المؤلفين الإيطاليين على ساحة أدب الروايات المصورة العالمي. حققت روايته
Cinquemila chilometri al secondo”الصادرة عام 2010 نحاجه الأول غير المسبوق وتحكي قصة حب ثلاثية الأطراف دامت عقودًا. هي وهو يحبان بعضهما البعض ثم ينفصلان ويضيعان مع تيار الحياة الذي يحملهما بعيدًا. وفي النهاية يلتقيان بعد عدة سنوات في البلدة الصغيرة حيث بدأ كل شيء ولكن لا يبقى لهما سوى الفراغ للذكرى والندم.

يثبت فيور أنه كاتب متطور ومثقف، جميل القراءة والرؤية، مفتون بالتفاصيل الجسدية والنفسية والدوافع الخفية خلف التصرفات والتي يجيد تصويرها في كتاباته بطبيعية وسلاسة لا مثيل لهما.

ثم أكد فيور على كل مهاراته الفنية في روايته المصورة “ L’intervista” الصادرة عام 2013:تتميز بالطبيعية الشديدة للحوارات وسلاسة التركيب والسرد والاهتمام بالعلاقات المعقدة غير المفهومة مما يترك مساحة للغموض ولتفسيرات القاريء. هذه المرة العلاقة بين طبيب نفسي ومريضته الشابة في مشهد خيالي علمي فكلا منهما يتعرض لرؤى تشابه الاتصال الفضائيي، تتطور علاقتهما ولكن تنتهي بلا نهاية محددة.
ويؤكد كتابه الأخير “Celestia” براعته الفنية ويقوم برسم الحياة المستقبلية في مدينةالبندقية والتي تبدو كحلم يراوغنا ويدخلنا في متاهات.

30

Lrnz, Golem, 2015

ليرنز

رسام ومصمم جرافيك ورسام رسوم متحركة وموسيقي. اسمه الحقيقي هو لورينزو تشيكوتي “Lorenzo Ceccotti” ويعرف أيضًا باسم Lrnz (مواليد 1978) ، هو فنان شامل. مع خلقه للتوازن في عمله بين الرسوم المصورة والتصميم والفن المعاصر، تحول لورينزو إلى مجرب دؤوب للأشكال التعبيرية والمواد والتقنيات. في السياق ذاته، تمثل القصص المصورة ​​بالنسبة له أحد الطرق التعبيرية التي لا حصر لها في جعبته.

أشهر قصصه المصورة هو كتاب Golem الصادر عام 2015، وهو رواية مصورة طموحة تدور أحداثها في سياق خيالي في روما حيث أفرغت النزعة الاستهلاكية للشركات الكبيرة الدولة من الداخل وحلت محلها بطريقة أو بأخرى. إذا كانت الحبكة هي القصة الكلاسيكية للتمرد على نظام قمعي ينفذه غرباء شباب ، فإن الإدراك البصري لـ Golem معقد ومتعدد الطبقات، ويجمع بين التأثيرات الأكثر تباينًا ، القادمة من الرسوم المصورة اليابانية وكذلك الغربية، ومن الفنون الجميلة إلى التصميمات المصنعة. جاءت النتيجة جديدة وديناميكية وواضحة في تلميحاتها وإشاراتها داخل القصة.إن التركيبات واختيار الإطارات والتصميم والاستخدام الراقي للألوان جعل الراوية من أحد أكثر الكتب الإثارة للاهتمام على المشهد الإيطالي مؤخرًا.